الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كتاب الوكالة *3* وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِسْمَتِهَا الشرح: قوله: (كتاب الوكالة. بسم الله الرحمن الرحيم. وكالة الشريك الشريك في القسمة وغيرها) كذا لأبي ذر، وقدم غيره البسملة وزاد واوا وللنسفي " كتاب الوكالة. ووكالة الشريك " ولغيره " باب " بدل الواو. والوكالة بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ، تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه. وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا أو مقيدا. قوله: (وقد أشرك النبي صلى الله عليه وسلم عليا في هدية ثم أمره بقسمتها) هذا الكلام ملفق من حديثين عند المصنف: أحدهما حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن يقيم على إحرامه، وأشركه في الهدى " وسيأتي موصولا في الشركة، ووهم من زعم من الشراح أنه مضى في الحج. ثانيهما حديث علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها". وقد تقدم موصولا في الحج من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه، وقد ذكر هنا طرفا من الحديث موصولا في الأمر بالتصدق بجلال البدن، وقد تقدم في الحج بهذا السند والمتن مع الكلام عليه، ومقصوده منه هنا ظاهر فيما ترجم له في القسمة. وأما قوله في الترجمة " وغيرها " أي وفي غير القسمة، فيؤخذ بطريق الإلحاق. والجلال بكسر الجيم وقد تقدم شرحها. ثم أورد المصنف حديث عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها " الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي، وشاهد الترجمة منه قوله " ضح به أنت " فإنه علم به أنه كان من جملة من كان له حظ في تلك القسمة فكأنه كان شريكا لهم وهو الذي تولى القسمة بينهم. وأبدى ابن المنير احتمالا أن يكون صلى الله عليه وسلم وهب لكل واحد من المقسوم فيهم ما صار إليه فلا تتجه الشركة. وأجاب بأنه ساق الحديث في الأضاحي من طريق أخرى بلفظ " أنه قسم بينهم ضحايا " قال فدل على أنه عين تلك الغنم للضحايا فوهب لهم جملتها ثم أمر عقبة بقسمتها، فيصح الاستدلال به لما ترجم له، قال ابن بطال: وكالة الشريك جائزة كما تجوز شركة الوكيل لا أعلم فيه خلافا. واستدل الداودي بحديث علي على جواز تفويض الأمر إلى رأي الشريك، وتعقبه ابن التين باحتمال أن يكون عين له من يعطيه كما عين له ما يعطيه فلا يكون فيه تفويض. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ أَنْتَ الشرح: قوله: (عتود) بفتح المهملة وضم المثناة وسكون الواو: الصغير من المعز إذا قوي، وقيل إذا أتى عليه حول، وقيل إذا قدر على السفاد. *3* الشرح: قوله: (باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز) . أي إذا كان الحربي في دار الإسلام بأمان. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمْ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ ابْرُكْ فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ الشرح: قوله: (عن صالح بن إبراهيم) يأتي تصريحه بالسماع منه آخر الباب. قوله: (كاتبت أمية بن خلف) أي كتبت بيني وبينه كتابا. وفي رواية الإسماعيلي عاهدت أمية ابن خلف وكاتبته. قوله: (بأن يحفظني في صاغيتي) الصاغية بصاد مهملة وغين معجمة خاصة الرجل، مأخوذ من صغى إليه إذا مال. قال الأصمعي: صاغية الرجل كل من يميل إليه، ويطلق على الأهل والمال. وقال ابن التين: رواه الداودي ظاعنتي بالظاء المشالة المعجمة والعين المهملة بعدها نون، ثم فسره بأنه الشيء الذي يسفر إليه قال ولم أر هذا لغيره. قوله: (لا أعرف الرحمن) أي لا أعترف بتوحيده، وزاد ابن إسحاق في حديثه أن أمية بن خلف كان يسميه عبد الإله. قوله: (حين نام الناس) أي رقدوا، وأراد بذلك اغتنام غفلتهم ليصون دمه. قوله: (فقال: أمية بن خلف) بالنصب على الإغراء، أي عليكم أمية. وفي رواية أبي ذر بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا أمية. قوله: (خلفت لهم ابنه) هو علي بن أمية، سماه ابن إسحاق في روايته في هذه القصة من وجه آخر، وسيأتي مزيد بسط لهذه القصة في شرح غزوة بدر، ونذكر تسمية من باشر قتل أمية ومن باشر قتل ابنه علي بن أمية ومن أصاب رجل عبد الرحمن بالسيف إن شاء الله تعالى. ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث أن عبد الرحمن بن عوف وهو مسلم في دار الإسلام فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب ما يتعلق بأموره، والظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، قال ابن المنذر: توكيل المسلم حربيا مستأمنا، وتوكيل الحربي المستأمن مسلما لا خلاف في جوازه. قوله: (وكان رجلا ثقيلا) أي ضخم الجثة. قوله: (فتجللوه بالسيوف) بالجيم أي غشوه كذا للأصيلي ولأبي ذر، ولغيرهما بالخاء المعجمة أي أدخلوا أسيافهم خلاله " حتى وصلوا إليه وطعنوه بها من تحتي " من قولهم خللته بالرمح واختللته إذا طعنته به، وهذا أشبه بسياق الخبر، ووقع في رواية المستملي " فتخلوه " بلام واحدة ثقيلة. قوله: (سمع يوسف صالحا وإبراهيم أباه) كذا ثبت لأبي ذر عن المستملي، وقد وقع في آخر القصة ما يدل على سماع إبراهيم من أبيه حيث قال في آخر الحديث " فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه". *3* وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ الشرح: قوله (باب الوكالة في الصرف والميزان) قال ابن المنذر أجمعوا على أن الوكالة في الصرف جائزة حتى لو وكل رجلا يصرف له دراهم ووكل آخر يصرف له دنانير فتلاقيا وتصارفا صرفا معتبرا بشرطه جاز ذلك. قوله (وقد وكل عمر وابن عمر في الصرف) أما أثر عمر فوصله سعيد بن منصور من طريق موسى ابن أنس عن أبيه " أن عمر أعطاه آنية مموهة بالذهب فقال له: اذهب فبعها من يهودي بضعف وزنه، فقال له عمر: اردده، فقال له اليهودي أزيدك، فقال له عمر لا إلا بوزنه " وأما أثر ابن عمر فوصله سعيد بن منصور أيضا من طريق الحسن بن سعد قال " كانت لي عند ابن عمر دراهم فأصبت عنده دنانير فأرسل معي رسولا إلى السوق فقال: إذا قامت على سعر فأعرضها عليه فإن أخذها وإلا فاشتر له حقه، ثم اقضه إياه " وإسناد كل منهما صحيح. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ الشرح: قوله: (عن عبد المجيد بن سهيل) كذا للأكثر بتقديم الميم على الجيم وهو الصواب، وحكى ابن عبد البر أنه وقع في رواية عبد الله بن يوسف " عبد الحميد " بحاء مهملة قبل الميم ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري عن عبد الله بن يوسف، فلعله وقع كذلك في رواية غير البخاري. قال: وكذلك وقع ليحيى ابن يحيى الليثي عن مالك وهو خطأ. قوله (استعمل رجلا على خيبر) تقدم في البيوع أنه أنصاري وأن اسمه سواد بن غزية وتقدم الكلام عليه هناك. وقوله في آخره " وقال في الميزان مثل ذلك " أي والموزون مثل ذلك لا يباع رطل برطلين. وقال الداودي، أي لا يجوز التمر بالتمر، إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن، وتعقبه ابن التين بأن التمر لا يوزن وهو عجيب فلعله الثمر بالمثلثة وفتح الميم، ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة لتفويضه صلى الله عليه وسلم أمر ما يكال ويوزن إلى غيره فهو في معنى الوكيل عنه، ويلتحق به الصرف. قال ابن بطال: بيع الطعام يدا بيد مثل الصرف سواء أي في اشتراط ذلك. قال: ووجه أخذ الوكالة منه قوله صلى الله عليه وسلم لعامل خيبر " بع الجمع بالدراهم " بعد إن كان باع على غير السنة فنهاه عن بيع الربا وأذن له في البيع بطريق السنة. *3* الشرح: قوله: (باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح أو أصلح ما يخاف عليه الفساد) كذا لأبي ذر والنسفي وعليه جرى الإسماعيلي، ولابن شبويه " فأصلح " بدل " أو أصلح " وجواب الشرط محذوف أي جاز ونحو ذلك، وفي شرح ابن التين بحذف " أو " فصار الجواب أصلح ما يخاف عليه الفساد، وأما الأصيلي فعنده " أو شيئا يفسد ذبح وأصلح " وقد أورد فيه حديث ابن كعب بن مالك عن أبيه " أنه كانت له غنم ترعى بسلع " الحديث، قال ابن المنير ليس غرض البخاري بحديث الباب الكلام في تحليل الذبيحة أو تحريمها، وإنما غرضه إسقاط الضمان عن الراعي وكذا الوكيل، وقد اعترض ابن التين بأن التي ذبحت كانت ملكا لصاحب الشاة وليس في الخير أنه أراد تضمينها، والذي يظهر أنه أراد رفع الحرج عمن فعل ذلك وهو أعم من التضمين. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَاكَ أَوْ أَرْسَلَ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَيُعْجِبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ تَابَعَهُ عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الشرح: قوله: (أنه سمع ابن كعب بن مالك) جزم المزي في " الأطراف " بأنه عبد الله، لكن روى ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه طرفا من هذا الحديث فالظاهر أنه عبد الرحمن. قوله: (قال عبيد الله) هو ابن عمر العمري راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. قوله: (تابعه عبدة) أي ابن سليمان (عن عبيد الله) هو العمري المذكور بالإسناد المذكور، وسيأتي موصولا في كتاب الذبائح ويأتي الكلام عليه هناك ونذكر الاختلاف فيه على نافع وعلى غيره. واستدل به على تصديق المؤتمن على ما أتمن عليه ما لم يظهر دليل الخيانة، وعلى أن الوكيل إذا أنزى على إناث الماشية فحلا بغير إذن المالك حيث يحتاج إلى ذلك فهلكت أنه لا ضمان عليه. *3* وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الشرح: قوله: (باب) بالتنوين (وكالة الشاهد) أي الحاضر (والغائب جائزة) قال ابن بطال: أخذ الجمهور بجواز توكيل الحاضر بالبلد بغير عذر، ومنعه أبو حنيفة إلا بعذر مرض أو سفر أو برضا الخصم، واستثنى مالك من بينه وبين الخصم عداوة، وقد بالغ الطحاوي في نصرة قول الجمهور واعتمد في الجواز حديث الباب قال: وقد اتفق الصحابة على جواز توكيل الحاضر بغير شرط قال: ووكالة الغائب مفتقرة إلى قبول الوكيل الوكالة باتفاق وإذا كانت مفتقرة إلى قبول فحكم الغائب والحاضر سواء. قوله: (وكتب عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (إلى قهرمانه) أي خازنه القيم بأمره وهو الوكيل واللفظة فارسية. قوله: (أن يزكى عن أهله) أي زكاة الفطر، ولم أقف على اسم هذا القهرمان، وقد أورد فيه حديث أبي هريرة " كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم جمل سن من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال أعطوه " الحديث وسيأتي شرحه في كتاب القرض، وموضع الترجمة منه لوكالة الحاضر واضح، وأما الغائب فيستفاد منه بطريق الأولى، لأن الحاضر إذا جاز له التوكيل مع اقتداره على المباشرة بنفسه فجوازه للغائب عنه أولى لاحتياجه إليه. وقال الكرماني: لفظ أعطوه يتناول وكلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حضورا وغيبا. *3* الشرح: قوله: (باب الوكالة في قضاء الديون) أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله من وجه آخر، وهو ظاهر فيما ترجم به. وقوله "قال أعطوه سنا مثل سنه، قالوا يا رسول الله إلا أمثل من سنه " كذا لجميع الرواة وفيه حذف يظهر من سياق الذي قبله والتقدير فقالوا لم نجد إلا أمثل الخ، قال ابن المنير: فقه هذه الترجمة أنه ربما توهم متوهم أن قضاء الدين لما كان واجبا على الفور امتنعت الوكالة فيه لأنها تأخير من الموكل إلى الوكيل فبين أن ذلك جائز، ولا يعد ذلك مطلا. *3* لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبِي لَكُمْ الشرح: قوله: (باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز) يجوز في " وكيل " التنوين، ويجوز تركه على حد قوله " بين ذراعي وجبهة الأسد " ووقع عند الإسماعيلي " لوكيل قوم أو شفيع قوم". قوله: (لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن حين سألوه المغانم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نصيبي لكم) وهو طرف من حديث أخرجه ابن إسحاق في المغازي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وسيأتي بيانه في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى، وقد أورد المصنف هنا حديث المسور بن مخرمة ومروان ابن الحكم في قصة وفد هوازن أيضا، وسيأتي شرحه في غزوة حنين من كتاب المغازي. وشاهد الترجمة منه قوله فيه " وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم " الحديث، قال ابن بطال: كان الوفد رسلا من هوازن، وكانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم، فشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإذا طلب الوكيل أو الشفيع لنفسه ولغيره فأعطى ذلك فحكمه حكمهم. وقال الخطابي: فيه أن إقرار الوكيل على موكله مقبول. لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف، وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم. وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: لا يصح إقرار الوكيل على الموكل. وليس في الحديث حجة للجواز لأن العرفاء ليسوا وكلاء وإنما هم كالأمراء عليهم، فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه والله أعلم. واستدل به على القرض إلى أجل مجهول لقوله " حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا " وسيأتي البحث فيه في بابه. وقال ابن المنير: قوله صلى الله عليه وسلم للوفد وهم الذين جاءوا شفعاء في قومهم " نصيبي لكم " قد يوهم أن الموهبة وقعت للوسائط، وليس كذلك بل المقصود هم وجميع من تكلموا بسببه، فيستفاد منه أن الأمور تنزل على المقاصد لا على الصور، وأن من شفع لغيره في هبة فقال المشفوع عنده للشفيع قد وهبتك ذلك فليس للشفيع أن يتعلق بظاهر اللفظ ويخص بذلك نفسه، بل الهبة للمشفوع له، ويلتحق به من وكل على شراء شيء بعينه فاشتراه الوكيل ثم ادعى أنه إنما نوى نفسه فإنه لا يقبل منه، ويكون المبيع للموكل. انتهى. وهذا قاله على مقتضى مذهبه، وفي المسألة خلاف مشهور. *3* الشرح: قوله: (باب إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس) أي فهو جائز، فيه حديث جابر في قصة بيعه الجمل وسيأتي شرحه في كتاب الشروط. وشاهد الترجمة منه قوله فيه " يا بلال اقضه وزده، فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا " فإنه لم يذكر قدر ما يعطيه عند أمره بإعطاء الزيادة فاعتمد بلال على العرف في ذلك فزاده قيراطا. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَا لَكَ قُلْتُ إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ قَالَ أَمَعَكَ قَضِيبٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَعْطِنِيهِ فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ قَالَ بِعْنِيهِ فَقُلْتُ بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ بِعْنِيهِ قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلَا مِنْهَا قَالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ قُلْتُ إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلَا مِنْهَا قَالَ فَذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ يَا بِلَالُ اقْضِهِ وَزِدْهُ فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا قَالَ جَابِرٌ لَا تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشرح: قوله: (عن عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على بعض ولم يبلغه كله رجل منهم) كذا للأكثر وكذا وقع عند الإسماعيلي، أي ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينه وإنما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر، ووقع لبعضهم " لم يبلغه كلهم، رجل واحد منهم " وعليه شرح ابن التين وزعم أن معناه أن بين بعضهم وبين جابر فيه واسطة. وعند أبي نعيم في المستخرج " لم يبلغه كله إلا رجل واحد عن جابر " ومثله للحميدي في جمعه، وبخط الدمياطي في نسخته من البخاري " لم يبلغه " بالتشديد. وقال الكرماني قوله " يزيد بعضهم " الضمير فيه يرجع إلى الغير وفي " لم يبلغه " إلى الحديث أو الرسول، و " رجل " بدل من كل. قلت الضمير للحديث جزما لا للرسول، لأن السند متصل. ثم قال الكرماني: وفي أكثر الروايات لفظة " وغيره " بالجر، وأما رفعه فعلى الابتداء و " يزيد " خبره، ويحتمل أن يكون " رجل " فاعل فعل مقدر ليبلغه، وعلى التقادير لا يخفى ما في هذا التركيب من التعجرف. قلت: إنما جاء التعجرف من عدم فهم المراد، وإلا فمعنى الكلام أن ابن جريج روى هذا الحديث عن عطاء وعن غير عطاء كلهم عن جابر، لكنه عنده عنهم بالتوزيع: روى عن كل واحد قطعة من الحديث. وقوله "لم يبلغه كله رجل " أي لم يسقه بتمامه، فهو بيان منه لصورة تحمله، وهو كقول الزهري في حديث الإفك " وكل حدثني طائفة من حديثها لكنه زاد عليه " نفي أن يكون كل واحد منهم ساقه بتمامه، فأي تعجرف في هذا؟ والعجب من شارح ترك الرواية المشهورة التي لا قلق في تركيبها وتشاغل بتجويز شيء لم يثبت في الرواية ثم يطلق على الجميع التعجرف، أفهذا شارح أو جارح؟ ووقفت من تسمية من روى ابن جريج عنه هذا الحديث عن جابر على أبي الزبير، وقد تقدم في الحج شيء من ذلك. قوله: (على جمل ثفال) بفتح المثلثة بعدها فاء خفيفة هو البعير البطيء السير، يقال ثفال وثفيل، وأما الثفال بكسر أوله فهو ما يوضع تحت الرحي لينزل عليه الدقيق. وقال ابن التين: من ضبط الثفال الذي هو البعير بكسر أوله فقد أخطأ. وقوله "أربعة دنانير " كذا للجميع، وذكره الداودي الشارح بلفظ " أربع الدنانير " وقال: سقطت الهاء لما دخلت الألف واللام، وذلك جائز فيما دون العشرة. وتعقبه ابن التين بأنه قول مخترع لم يقله أحد غيره، وقوله "فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر " كذا لأبي ذر والنسفي بقاف، قال الداودي الشارح: يعني خريطته. وتعقبه ابن التين بأن المراد قراب سيفه، وأن الخريطة لا يقال لها قراب. انتهى. وقد وقع في رواية الأكثر " جراب " فهو الذي حمل الداودي على تأويله المذكور وقد زاد مسلم في آخر هذا الحديث من وجه آخر " فأخذه أهل الشام يوم الحرة " قال ابن بطال: فيه الاعتماد على العرف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين قدر الزيادة في قوله " وزده " فاعتمد بلال على العرف، فاقتصر على قيراط، فلو زاد مثلا دينارا لتناوله مطلق الزيادة لكن العرف يأباه، كذا قال، وقد ينازع في ذلك باحتمال أن يكون هذا القدر كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في زيادته، وذلك القدر الذي زيد عليه كأن يكون أمره أن يزيد من يأمر له بالزيادة على كل دينار ربع قيراط فيكون عمله في ذلك بالنص لا بالعرف.
|